إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .
أَمَّا بَعْدُ :
فقد كثر في وسائل الإعلام على تنوعها خروج المرأة سافرة ومتزينة بكامل زينتها
وقد يظن بعض الناس أنه طالما أنه يجوز للمرأة كشف وجهها في قول بعض أهل العلم
أن الخَطب يسير , وأنها من صغائر الذنوب وهو في الحقيقة من المنكرات الكبيرة
قال تعالى:
{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ
وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }
[الأحزاب:33 ].
قال الراغب:" يقال ثوب متبرج صور عليه بروج واعتبر حسنه فقيل : تبرجت المرأة
أي : تشبهت به في إظهار الزينة والمحاسن للرجال أي : مواضعها الحسنة.
وقوله:{تَبَرُّجَ الْجَـاهِلِيَّةِ الاولَى} أي : تبرجاً مثل تبرج النساء في أيام الجاهلية القديمة
قبل الإسلام , وأما الجاهلية الأخرى فهي المذكورة في قوله :
[ صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا
النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ
لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا ]
رواه مسلم.
وعن عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله يقول:
[ سيكون في أخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرجال
ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن
كأسنمة البخت العجاف، إلعنوهن، فإنهن معلونات، لو كان وراءكم أمة
من الأمم خدمهن نساؤكم كما خدمكم نساء الأمم قبلكم ]
رواه ابن حبان في صحيحه وصححه الألباني.
وأعلم بأنه لا يوجد بين الصحابة خلاف أنه يجب على المرأة تغطية وجهها
فهو أمر ظاهر بين المسلمين في الصدر الأول لا يخفى على عامتهم فضلا عن علمائهم
قال تبارك وتعالى:
{ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ
إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ
أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ
أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ
مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ
لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }
[النور:31].
أخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم والبيهقي في "سُنَنِه"
عن ابن عباس في قوله:
{ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}
قال:(( والزينة الظاهرة ، الوجه وكحل العينين وخضاب الكف والخاتم فهذا تظهره
في بيتها لمن دخل عليها , ثم قال:{ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن}
والزينة التي تبديها لهؤلاء قرطاها وقلادتها وسوارها فأما خلخالها ومعضدها
ونحرها وشعرها فانها لا تبديه إلا لزوجها )).
وأخرج ابن جرير عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في قَوْلُهُ:
{وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}
قَالَ:(( وَالزِّينَةُ الظَّاهِرَةُ : الْوَجْهُ ، وَكُحْلُ الْعَيْنِ ، وَخِضَابُ الْكَفِّ ، وَالْخَاتَمُ
فَهَذِهِ تَظْهَرُ فِي بَيْتِهَا لِمَنْ دَخَلَ مِنَ النَّاسِ عَلَيْهَا )).
انظر تفسير الطبري:(17 / 259).
وأخرج ابن جرير عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في قوله:
{وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}
قَالَ:(( الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ ))
انظر تفسير الطبري:(17 / 258).
وأخرج ابن جرير عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
(( الظَّاهِرُ مِنْهَا : الْكُحْلُ وَالْخَدَّانِ ))
انظر تفسير الطبري:(17 / 258).
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في قَولَه:{وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ}
إِلَى قَوْلِهِ : {عَوْرَاتِ النِّسَاءِ}
قَالَ:(( الزِّينَةُ الَّتِي تُبْدِيْهَا لِهَؤُلاَءِ : قُرْطَاهَا وَقِلاَدَتُهَا وَسِوَارُهَا ، فَأَمَّا خَلْخَالاَهَا وَمِعْضَدَاهَا
وَنَحْرُهَا , وَشَعْرُهَا فَإِنَّهُ لاَ تُبْدِيهِ إِلاَّ لِزَوْجِهَا ))
انظر تفسير الطبري:(17 / 264).
وأخرج ابن جرير عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
{وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قَالَ:(( الثِّيَابُ ))
انظر تفسير الطبري:(17 / 257).
فدلت الآية على أمرين :
الأول :من يجوز لهن كشف الوجه والكفين لهموهم من لم يذكرهم الله في إبداء الزينة
وهم العم والخال وجميع من يحرم عليهن نكاحهم من الرضاعة وعلى هذا يحمل
قول ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى:
{ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } , على الْكُحْلُ وَالْخَدَّانِ.
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم والبيهقي في "سُنَنِه"
عن ابن عباس في قوله:{ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}
قال:(( والزينة الظاهرة ، الوجه وكحل العينين وخضاب الكف والخاتم
فهذا تظهره في بيتها لمن دخل عليها , ثم قال:
{ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن} والزينة التي تبديها لهؤلاء قرطاها
وقلادتها وسوارها فأما خلخالها ومعضدها ونحرها وشعرها فانها لا تبديه إلا لزوجها )).
وأخرج ابن المنذر عن أنس في قوله{ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}
قال:(( الكحل والخاتم ))
قال شيخ الإسلام " وقد نهاهن الله عن إبداء الزينة ألا ما ظهر منها
وأباح لهن إبداء الزينة الخفية لذوي المحارم ومعلوم إن الزينة التي تظهر
في عموم الأحوال بغير اختيار المرأة هي الثياب فأما البدن فيمكنها إن تظهره
ويمكنها إن تستره ونسبة الظهور إلى الزينة دليل على أنها تظهر بغير فعل المرأة
وهذا كله دليل على إن الذي ظهر من الزينة الثياب " أ.هـ
انظر شرح العمدة:[ ج4/ص269 ].